المُساهمة الجِنائية

  • المَقصوُد بِها  :

يقصد بها ارتكاب الجريمة الواحدة من قبل اكثر من شخص خططوا ودبروا لها ، ووزعوا الادوار فيما بينهم فوقعت الجريمة ثمرة لهذا التنفيذ الجماعي ، وليس هناك ما يمنع تصور ارتكاب الجريمة من عدة اشخاص ، وهنا نكون بصدد تعدد في الجناة .
بالنسبة لوحدة أو تعدد الجريمة بتعدد المساهمين فيها يوجد مذهبين وهُما :
أولا: مذهب التعدد
ان الجرائم تتعدد بقدر عدد من اسهموا فيها ، فكل جان من الجناة يعتبر مرتكبا لجريمة مستقلة تماما عن جريمة غيره ، والحجة هنا ان كلا من الجناة المتعددين يباشر سلوكا ماديا خاصا به ، كما ان لكل منهم ارادته وقصده الشخصي ومن ثم يتوافر في حق كل منهم الركن المادي والركن المعنوي لقيام الجريمة قانونا مستقلا عن غيره في ذلك .

ثانيا: مذهب الوحدة
هنا نكون بصدد جريمة واحدة علي الرغم من تعدد المساهمين ، فهناك وحدة في جانبها المادي وكذلك في جانبها المعنوي ، ووحدة الجانب المادي تتمثل في ان مجموع السلوكيات التي اتاها المساهمون تنصب جميعها علي العدوان علي مصلحة أو حق اجتماعي واحد ، واما وحدة الجانب المعنوي فتبرز بالنظر إلي سلوك المساهم باعتباره جزءا مكملا لسلوك غيره من المساهمين معه وصولا إلي غايتهم المشتركة.

الترجيح بين المذهبين
ان مذهب الوحدة اكثر قبولا في المنطق القانوني واغلب التشريعات تاخذ بمذهب وحدة الجريمة عند تعدد المساهمين مع وحدة السلوك المعنوي والمادي فيها ، وشارعنا المصري قد اخذ بمذهب الوحدة صراحة ، وعبر عن ذلك في قانون العقوبات بالقول "اشتراك عدة اشخاص في جريمة واحدة"


  • صُورتا المُساهمة الجنائية :

يميز الفقه الجنائي بين صورتين للمساهمة الجنائية : 
الاولي: صورة المساهمة الاصلية
وتتحقق في الاحوال التي يقوم المساهم فيها بدور رئيسي في تنفيذ الجريمة يجعله فاعلا فيها مع غيره من الفاعلين ، وتعرف هذه الصورة بـ" تعدد الفاعلين"

الثانية: صورة المساهمة التبعية الثانوية
وتكون عندما لا يقوم المساهم بدور رئيسي في التنفيذ، وانما يقوم بدور ثانوي فيها يعين فاعلها علي اداء دوره الرئيسي ويجعله شريكا تبعيا له ، واذا كان الامر كذلك فلا يكون متصورا وجود شريك أو اكثر بغير فاعل واحد بالاقل يقوم بالعمل التنفيذي الرئيسي في الجريمة، وهو هنا يقوم بدور ثانوي غير مجرّم بذاته .

وقد عرفهما شارعنا واخذ بفكرة الاستعارة في تجريم سلوك الشريك حيث استلزم لذلك تبعيته لفعل اصلي يعد جريمة، كما قرر للشريك نفسه عقوبة الفاعل كقاعدة أصلية .

المساهمة الاصلية (تعدد الفاعلين)

نكون بصددها في الاحوال التي ترتكب فيها الجريمة الواحدة من قبل اكثر من جان يقوم كل منهم بدور رئيسي في التنفيذ يجعله فاعلا لها مع غيره من الفاعلين


اركان المساهمة الاصلية :

تقوم صورة المساهمة الاصلية في الجريمة علي ركنين:

اولهما:الركن المادي:
المتمثل في صورة النشاط أو النمط السلوكي الذي ياتيه المساهم ويجعله فاعلا في الجريمة .
ثانيهما: الركن المعنوي:
المتمثل في قصد الفاعل في ارتكاب الجريمة جنبا إلي جنب مع غيره من الفاعلين وهو ما يعرف بـ" قصد التداخل في الجريمة "

الركن المادي
 صور سلوك الفاعل
عرف قانوننا العقابي الجريمة في قوله يعد فاعلا للجريمة :
أولا: من يرتكبها وحده أو مع غيره .
ثانيا: من يتدخل في ارتكابها إذا كانت تتكون من جملة اعمال فياتي عمدا عملا من الاعمال المكونة لها .

ويبين ذلك ان شارعنا قد تبني معيارا موضوعيا في تعريف الفاعل قوامة طبيعية النمط السلوكي الذي يباشره في الجريمة والذي حدده في صورتين:

الصورة الاولي: من يرتكب الجريمة وحده أو مع غيره
يكون فاعلا للجريمة من ياتي (وحده) السلوك المكون لركنها المادي ، وذلك سواء في صورته التامة ام في صورته الناقصة (الشروع) ، اما الحالة الثانية وهي حالة من يرتكب الجريمة (مع غيره) ، وهي تتحقق باكثر من شخص يمارس السلوك المكون للركن المادي في الجريمة باكمله علي قدم المساواة مع غيره من المساهمين وينطبق علي سلوك كل منهم علي حده النموذج التشريعي للجريمة التامة ، فجميع من ساهموا في الجريمة علي هذا النحو يكونوا فاعلين فيها .

الصورة الثانية: من يدخل في ارتكاب الجريمة

يعتبر فاعلا من يدخل في ارتكاب الجريمة فياتي عمدا عملا من الاعمال المكونة لها ، وانما ياتي فقط جانب من تلك الاعمال المادية التي تتكون منها الجريمة ، وهو ما يفترض قابلية الجانب المادي في الجريمة للتجزئة سواء بطبيعته أو طبقا لخطة تنفيذها ، فيتدخل الجاني وياتي بجزء منه فحسب يعد بموجبه فاعلا لها .

ولما كان مفترضا ان الجاني لم يتم جريمته فان وصف الاعمال المكونة للجريمة والتي يعتبر الجاني فاعلا إذا اتي عملا منها لا يصدق الا علي ما يعد شروعا في الجريمة من افعال مادية ،لان ما دون ذلك يدخل في عداد التحضير للجريمة فيعد الجاني هنا شريكا في الجريمة وليس فاعلا لها .

واعمالا لهذا المعيار فانه يكون الجناة جميعا من الفاعلين الاصليين لان ما اتاه كل منهم من سلوك يصدق عليه وصف الشروع في الجريمة إذا ما نظر إليه منفردا وقيس بمعيار الشروع المعروف .

ويلاحظ ان عدم اعتبار الجاني فاعلا اصليا مع غيره لا يحول دون اعتباره شريكا فيها إذا انطبق علي نشاطه احدي صور السلوك التي يتحقق بها الركن المادي لجريمة الشريك .

الفاعل في قضاء النقض( صورة ثالثة )

ان قضاء محكمة النقض قد اضطرد منذ امد بعيد علي اعتبار فاعلا في الجريمة من قام بدور فيها اقتضي وجوده علي مسرحها وقت ارتكابها ، ولو لم يكن هذا الدور داخلا في الاعمال التنفيذية التي تتكون منها ماديات الجريمة .

وطبق هذا المعيار علي من يصاحب الجاني اوالجناة المنفذين لها ويتواجد معهم علي مسرحها لشد ازرهم او حماية ظهرهم أو بمراقبة الطريق لهم وتنبيههم عند الخطر، وهذا ينطوي علي توسيع منتقد فيمن يعد فاعلا في الجريمة .

وهذه الصورة تفتقر إلي أي سند تشريعي يبررها ، بل و من غير المستساغ في ظل الصياغة الراهنة ان يحمل هذا القضاء التوسعي عليها قبل التوسع في تفسير النص وتحميل الفاظه وعباراته باكثر مما تحتمل الامر الذي لا يتفق مع مبدا الشرعية الجنائية .
ومن ناحية أخري فان الانماط السلوكية السابقة يصدق عليها تماما وصف المساعدة في الاعمال المسهلة أو المتممة للجريمة والتي اعتبرت المادة (30/ ثالثا) عقوبات صراحة من ياتيها شريكا في الجريمة وليس فاعلا لها ، وهكذا تكون محكمة النقض قد خلطت خلطا واضحا بين الفاعل الاصلي وبين الشريك فيها بطريق المساعدة فيما عدته فاعلا بغير سند قانوني إعتبره الشارع شريكا بالمساعدة بصريح النص .

فعلي الرغم من ان القاعدة هي المساواة في العقاب بين فاعل الجريمة والشريك فيها ، فالمساواة هنا تكون مساواة قانونية ، فقد يراعي القاضي ظروف الشريك ودوره الثانوي فيقرر له عقابا اخف من عقاب الفاعل في نطاق العقاب المقرر قانونا ، كما ان ثمة احوال يقرر القانون فيها عقابا للشريك اخف من عقاب الفاعل ، فضلا عن ان الشريك يستفيد من اباحة فعل الفاعل الاصلي لسبب خاص .

وفضلا عما تقدم فان هذا القضاء التوسعي لمحكمة النقض يقود إلي نتائج شاذة في المنطق القانوني وذلك باعتبار ان الفاعل يستمد اجرامه من سلوكه الشخصي خلافا للشريك الذي يستعير اجرامه من الفاعل الاصلي ، وعقاب من قام بدور الحراسة والمراقبة باعتباره فاعلا يتعارض صراحة مع من عدته المادة (39 عقوبات) فاعلا في الجريمة .

الركن المعنوي

لا يكفي لاعتبار المساهم في الجريمة فاعلا مع غيره فيها اتيانه سلوكا ماديا ، وانما يلزم ان تتوافر رابطة نفسية وذهنية معينة مع هذا السلوك يتحقق بها صورة الاثم الجنائي المتطلب قانونا ، فضلا عن قصد التداخل في الجريمة أي قصد ارتكاب المساهم لها مع غيره من المساهمين ، وعلي ذلك فان الركن المعنوي يكون مركبا من عنصرين:

العنصر الاول: صورة الاثم الجنائي اللازم قانونا

المساهمة الاصلية تكون متصورة في الجرائم العمدية وفي الجرائم الخطئية ، فكما يكون متصورا ارتكاب القتل العمد من عدة فاعلين ، فانه متصورا كذلك وقوعه منهم جميعا بطريق الخطا ، فإذا كانت الجريمة عمدية لزم قيام عنصري هذا العمد من علم وارادة في حق كل مساهم فيها ، واذا كانت خطئية لزم كذلك توافر الخطا في أي من صوره القانونية في حق كل مساهم .

العنصر الثاني: قصد التداخل

يعتبر هذا العنصر هو المميز للركن المعنوي في المساهمة الجنائية الاصلية فلا يكفي توافر صورة الاثم الجنائي ، وانما يلزم أيضا توافر لديه قصد التداخل في الجريمة أي قصد ارتكابها جنبا إلي جنب مع غيره من الجناة فيها، وليس منفردا بها ، واشترط قصد التداخل مستفاد من صريح نص المادة (39 عقوبات) التي عدت فاعلا للجريمة: (من يرتكبها مع غيره) أو (من يدخل في ارتكابها) .

ويتوافر قصد التداخل في الجرائم الخطئية بعلم الجاني بالسلوك الخاطئ من قبل غيره من المساهمين ، وان خطئه ما هو الا حلقة مكملة لسلسلة مجموع هذه الاخطاء ، اما في الجرائم العمدية فان قصد التداخل يرتدي ثوبا خاصا من الاهمية والدقة فيلزم لتوافره ان يكون المساهم عالما بسلوك غيره من المساهمين ، وما يقوم به كل منهم من دور تنفيذي في الجريمة مكمل لسلوكه فيها ، وهو ما عبرت عنه محكمة النقض بقولها: "ان يكون كل منهم قد قصد قصد الفاعل معه في ايقاع تلك الجريمة واسهم فعلا بدوره في تنفيذها .

وان قيام الاتفاق المسبق بين الجناه علي ارتكاب الجريمة وتوزيع الادوار فيما بينهم هو ما يتوافر به قصد التداخل ويجعل كل منهم فاعلا فيها ، وقد حدا هذا بمحكمة النقض علي ان تجري في قضائها علي اشتراط الاتفاق السابق بين الجناة حتي يعد كل منهم فاعلا في الجريمة .

ويؤيد أ. د/ نجاتي سند منحي محكمة النقض في لزوم قيام الاتفاق السابق بين الجناة أو بالاقل التفاهم فيما بينهم كشرط للقول بتوافر قصد التداخل ، واذا انتفي قصد التداخل فان من شان ذلك انتفاء المساهمة بين الجناة واعتبار كل منهم مسئولا عن النشاط الذي يباشره بوصفه جريمة مستقلة عن جريمة غيره من الجناة .

عقوبة المساهمة الاصلية

المساواة القانونية في العقاب

إذا ارتكب الجريمة اكثر من مساهم كانوا جميعا من الفاعلين الاصليين فكل واحد منهم يكون مستحقا للعقاب المقرر قانونا جزاء لهذه الجريمة وكانه قد ارتكبها بمفرده، ففاعل الجريمة هو المخاطب اصلا بالنص التجريمي ، فلم يجعل شارعنا من تعدد الفاعلين ظرفا عاما مشددا للعقاب وانما اعتبره كذلك في احوال معينة وبشروط خاصة .

والمساواة بين الفاعلين في العقاب هي من قبيل المساواة القانونية التي تعني اخضاعهم جميعا لذات نص التجريم والعقاب ، ولكن هذا المساواة لا تمنع القاضي من المغايرة في العقاب بحسب مدي جسامة واثم الدور الذي قام به ، وفي حدود ما يسمح به النص القانوني ، فللقاضي ان يحكم علي احد الفاعلين بالحد الاقصي للعقوبة ويكتفي بالنسبة للاخر بحدها الادني .

وهكذا فالمساواة القانونية في العقاب بين فاعلي الجريمة الواحدة لا تستتبع بالضرورة مساواة واقعية بينهم ، فالامر مردود إلي تقدير قاضي الموضوع وفي النطاق الذي يسمح به نص التجريم .

التضامن في المسئولية الجنائية بين الفاعلين

إذا كان شارعنا لم يتخذ من تعدد الفاعلين في الجريمة الواحدة ظرفا عاما يشدد من العقاب المقرر اصلا جزاءا لها ، فان قضاء محكمة النقض قد جري علي إيجاد نوع من التضامن في المسئولية الجنائية بين الفاعلين في جرائم القتل العمد والضرب والجرح المفضي إلي الموت أو إلي احداث عاهة مستديمة ، وبموجب ذلك يكون الفاعل مسئولا عن النتيجة الاجرامية كاملة ولو لم يساهم بدور تنفيذي في فعل العدوان ذاته أو يحدد يقينا َمنْ ِمنْ الفاعلين هو محدث الضربة القاتلة أو التي اودت بحياة المجني عليه أو احدثت به العاهة المستديمة .

و مسائلة الفاعل عن النتيجة الاجرامية كاملة كاثر لفكرة التضامن في المسئولية الجنائية بين الفاعلين التي اقرتها محكمة النقض واضطرد عليها قضاؤها ينطوي علي خروج علي القواعد العامة في المسئولية الجنائية والتي مؤداها الا يسئل الشخص الا عما جنت يداه ، وهكذا يبين بجلاء هذا الخروج من شانه ان يسوئ من مركز الفاعل مع غيره ، حيث يصبح مسئولا جنائيا عن نتائج اجرامية ما كان ليسال عنها إذا لم تقم حالة المساهمة الجنائية .